خالد السيد مدير المنتدى
عدد المساهمات : 103 تاريخ التسجيل : 20/05/2012 العمر : 56 الموقع : منتدى الدكتور ياسرعبدالله
| موضوع: عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه الإثنين 4 يونيو 2012 - 1:46 | |
| أتعجبون من دقة ساقيه ؟ ..
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يجتني سواكاً من الأراك ، وكان دقيق الساقين ، فجعلت الريح تكفؤه ، فضحك القوم منه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( مم تضحكون ؟ ) ، قالوا : يا نبي الله من دقة ساقيه ، فقال : ( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد ) ، رواه أحمد .
وفي رواية أخرى : فنظر أصحابه إلى حموشة ساقيه فضحكوا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما يُضحككم ؟ لَرِجْل عبد الله في الميزان أثقل من أُحُد ) رواه الطبراني .
معاني المفردات :
يجتني سواكاً : يقطف السواك الأراك : من شجر البوادي ويُصنع منها السواك تكفؤه : أي تحرّكه يميناً وشمالاً حموشة ساقيه : دقّة الساقين
تفاصيل الموقف : -
كان معدوم المال ولكن غني النفس ، وضئيل الجسد ولكن ذائع الصيت ، ومستور المكانة ومغمور الجاه ، فأبدله الله بذلك كلّه شرفاً وعزّاً ، وعلماً وعملاً ، ومحبة في قلوب الناس ، ومنزلة في نفوس المتقين .
إنه الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود الهذلي - رضي الله عنه - ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حلّه وترحاله ، وأوّل من صدح بالقرآن الكريم على رؤوس الملأ بمكّة وناله من ذلك أذىً كثيراً ، وهو الذي قام بالإجهاز على أبي جهل يوم بدر وحمل رأسه إلى المسلمين ليُبشّرهم بمقتل عدوّهم .
وفضائل هذا الصحابي الجليل وخصاله أكثر من أن تُعدّ وتُحصى ، بيد أنها انضوت كلّها داخل جسدٍ صغير ذي قامةٍ نحيلة لم تزل موضع عجبٍ وتساؤل ، واستغراب وتندّر ، وكانت له في ذلك قصّة ! .
تروي لنا كتب السير أن ابن أم عبد - كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلقّبه - اشتهى عوداً من أراك ليُطهّر به فمه ، فيجتمع له نقاء الظاهر وصفاء الباطن ، خصوصاً أثناء قراءته لكتاب ربّه آناء الليل وأطراف النهار .
والحصول على الأراك كان يتطلّب بطبيعة الحال صعوداً فوق الشجرة حتى يتخيّر الأنسب والأفضل ، فكان أن ارتقى - رضي الله عنه - الشجرة مستعيناً بساقيه الدقيقتين ويديه الضعيفتين ، وبينما هو كذلك إذ هاجت الريح واشتدّ هبوبها حتى كادت أن تسقطه من العلو ، وظلّ الجو العاصف يلعب به يمنةً ويسرة .
وشاهد من كان حاضراً من الصحابة ابن مسعود - رضي الله عنه - وهو على تلك الحال ، فتضاحك بعض القوم من منظره ، ولم يستحسن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ضحكهم على أخيهم ، فسألهم : ( مم تضحكون ؟ ) ، فذكروا له دقّة ساقيه - رضي الله عنه - .
ولكن هل يُقاس الناس بأشكالهم وألوانهم ؟! وهل يضرّ عبدالله - رضي الله عنه - ضعفه ونحوله ؟!! لا والله ؛ فإن لصاحب تلك الساقين فضائل تُثقل الميزان ، وأعمالاً تُقرّ العين ، ومزايا تُبهر الألباب ، جامعاً في ذلك بين جمال السيرة ونقاء السريرة .
ويشهد لتلك المنزلة العالية خير الخلق – صلى الله عليه وسلم - ويُسطّرها في سجلاّت الخالدين : ( والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد ) .
إضاءات حول الموقف : -
يُذكر العلماء هذا الحديث ضمن فضائل عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - ، والتي تُجمع إلى مناقبه الأخرى ، كقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( خذوا القرآن من أربعة : ... وذكر منهم من عبد الله بن مسعود ) متفق عليه ،
وقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( من أحب أن يقرأ القرآن غضّاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ) رواه ابن ماجة و أحمد في مسنده ،
وطلب النبي - عليه الصلاة والسلام - منه أن يقرأ عليه القرآن ليسمعه منه ، بل أذن له أن يدخل عليه بيته في أي وقت شاء ، وأن يستمع إلى أسراره حتى ينهاه عن ذلك ، كما جاء في سنن ابن ماجة .
وفيما يتعلّق بالقصّة ، فإن فحواها هو التنبيه على أن الميزان الحقيقي عند الله لا يكون بالصور ولا المناظر ، ولكن بالجوهر والعمل ، يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ) متفق عليه ،
وقبل ذلك يقول الله في كتابه : { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون } ( الأعراف : 8-9 )
وهذا هو الوزن الحق والعدل .
وفي القصّة بعدٌ عقدي ، نصّ عليه كثيرٌ من علماء أهل السنة والجماعة ، وهو إثبات أن الميزان كما يكون للأعمال يوم القيامة ، فإنه يكون كذلك لصاحب العمل ، استدلالاً بهذه القصّة ، وبحديث النبي – صلى الله عليه وسلم - : " إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة قال واقرءوا إن شتم : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } ( الكهف : 105) " متفق عليه .
| |
|